لماذا عبَر نتنياهو الطريق؟ تفكيك العقل الإسرائيلي من الاستيطان إلى السيطرة الرمزية
1. الطريق ليس مجرد معبر.. بل مفهوم سيادي
منذ إعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948، ارتبط مفهوم "الطريق" ليس فقط بالبنية التحتية، بل بفلسفة سياسية. فشق الطرق كان دائمًا مبررًا لتدمير قرى، ومصادرة أراضٍ، وبناء مستوطنات. لا يوجد شارع إسرائيلي خالٍ من رمزية: هو خط فاصل، هوية مرسومة، وعقيدة تهيمن على الحاضر والمستقبل.
2. نتنياهو والسيطرة من خلال الحركة
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لم يكن يومًا شخصية ثابتة. هو يتحرك دائمًا – سياسيًا، جغرافيًا، إعلاميًا. عبوره للطريق هو فعل رمزي مستمر: العبور من خطاب إلى آخر، من تحالف إلى آخر، من يمين إلى أقصى يمين، من تهديد إيران إلى قصف غزة، ومن صفقة القرن إلى التطبيع الشامل.
2.1 عبور الخطاب الأمني نحو الخطاب الوجودي
نتنياهو لم يعد يعتمد فقط على الأمن كمبرر للسيطرة، بل يتحدث عن بقاء الدولة اليهودية، النقاء الديمغرافي، و"الحق التاريخي" في يهودا والسامرة. هذه اللغة تعبر الطريق من الأمن إلى الوجود، من الواقعية إلى الخرافة السياسية.
3. الطريق كحد فاصل بين "نحن" و"هم"
إسرائيل تبني الطرق لتفصل بين المستوطنين والفلسطينيين. بين اليهود والعرب. بين المُعترف بهم وغير المرئيين. كل طريق إسفلتي هو خط حدود غير مرئي يُعاد رسمه يوميًا. بينما يمر الإسرائيلي بحرية، يُحاصر الفلسطيني بالحواجز، ويُحرم من التنقل، والكرامة، والسيادة.
3.1 الطرق الالتفافية.. السياسة بالإسفلت
منذ التسعينيات، ظهرت الطرق الالتفافية كأداة استراتيجية. هي لا تختصر المسافات فقط، بل تختصر التعايش، وتُلغي الاحتكاك، وتُقيم دولة ظل فوق الدولة الفلسطينية التي لم تولد بعد.
4. العقل الصهيوني.. كيف يُفكر في العبور؟
يُبنى العقل السياسي الصهيوني على فكرة "التفوق الأخلاقي" و"الحق الإلهي". لذلك، كل عبور يصبح مبررًا دينيًا وتاريخيًا. حتى عندما تكون الطرق فوق أراضٍ فلسطينية مسلوبة، يتم تسويقها كعودة إلى الجذور. نتنياهو لا يعبُر فقط، بل يُعيد الأمة لعبورها الأسطوري.
5. عبور الحدود الأخلاقية والقانونية
لم يتوقف العبور عند الطرق والجغرافيا، بل طال أيضًا القانون الدولي. في عهد نتنياهو، تم إضفاء شرعية على المستوطنات، وتم تحدي المحكمة الجنائية الدولية، وتم ضرب قرارات الأمم المتحدة عرض الحائط. عبَر نتنياهو طريقًا لا عودة منه: تحدي النظام العالمي.
6. الفلسطيني في رواية العبور
في سردية العبور الإسرائيلية، لا وجود فعلي للفلسطيني إلا كـ "عائق"، أو "خطر"، أو "إرهابي محتمل". إنهم ليسوا بشرًا متساوين في الحقوق، بل عوارض على الطريق يجب تجاوزهم أو إزاحتهم. هذا ما يجعل عبور الطرق بالنسبة لنتنياهو عملية تطهير غير مُعلنة.
7. الإعلام كجسر لعبور الرسائل
الإعلام الإسرائيلي، إلى جانب اللوبيات الخارجية، يعمل كأداة لتجميل "العبور". يُحول كل إجراء توسعي إلى "ضرورة أمنية"، وكل قصف إلى "دفاع مشروع". وهكذا، يُعاد إنتاج الطريق كمفهوم أخلاقي لا يمكن مساءلته.
8. هل هناك نهاية للطريق؟
لا. في فلسفة نتنياهو، الطريق لا نهاية له. كل نهاية تفتح بداية جديدة. الهدف ليس الوصول، بل البقاء في الحركة. أن تعبر هو أن تبقى. أن تتحرك هو أن تحيا. لذا، فإن إسرائيل لا تهدف إلى حدود نهائية، بل إلى حركة دائمة تُبقيها فوق القانون، فوق النقد، وفوق الحقيقة.
✅ خلاصة المقال
- عبور نتنياهو للطريق هو فعل رمزي مستمر في السياسة والواقع.
- العقل الصهيوني يربط الطرق بالسيطرة والإقصاء، لا بالتنقل.
- الفلسطيني مُهمّش في رواية العبور، والإعلام يُشرعن الانتهاك.
- لا نهاية لهذا الطريق، لأنه طريق مرسوم للبقاء، لا للوصول.