نتنياهو في السويداء: التدخل الإسرائيلي الخفي وتهديد السيادة السورية

تحليل معمق لتدخل إسرائيل في السويداء السورية عبر الممر الإنساني واستهداف المكون الدرزي، وتأثير هذا التدخل على الأمن والسيادة السورية.

إسرائيل والملف الدرزي في السويداء.. الممر الإنساني وأبعاد التدخل الخفي

منذ اندلاع جولة العنف الأخيرة في محافظة السويداء السورية، عادت الأنظار مجددًا إلى الدور الإسرائيلي المتزايد في الأزمة الداخلية السورية، ولا سيما في العلاقة المعقدة بين الدولة السورية الجديدة والمكون الدرزي الذي يشكل الغالبية في المحافظة. وإذا كانت السنوات الماضية قد كشفت عن مستويات متعددة من التدخل الإسرائيلي في الجنوب السوري، فإن ما يطرح اليوم تحت مسمى الممر الإنساني بين إسرائيل والسويداء يحمل أبعادًا سياسية وأمنية تتجاوز بكثير الجانب الإنساني المعلن.

محاولة فتح ممر إنساني.. بين الادعاء الإنساني والهدف السياسي

في خطوة مفاجئة، طالبت إسرائيل الولايات المتحدة بممارسة ضغوط على دمشق من أجل القبول بفتح "ممر إنساني" مباشر إلى السويداء، بذريعة إدخال مساعدات إغاثية إلى سكان المحافظة. غير أن هذا الطرح جاء بعد رفض الأردن السماح لإسرائيل باستخدام أجوائه لنقل المساعدات، وهو ما يثير تساؤلات حول حقيقة النوايا الإسرائيلية.

المفارقة أن الحكومة السورية كانت قد بدأت بالفعل منذ اتفاق وقف إطلاق النار الأخير بإرسال قوافل مساعدات إنسانية منتظمة إلى السويداء، في حين رفض بعض القيادات الدينية المحلية، وعلى رأسهم الشيخ حكمت الهجري، التعامل مع هذه المساعدات، مفضلين إبراز سردية "الحصار" لتعزيز الحضور الإسرائيلي في المشهد.

الشيخ حكمت الهجري.. بين الرفض والتقارب مع إسرائيل

يُعتبر الشيخ حكمت الهجري، الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز، أحد أبرز الأصوات التي طالبت بفتح قنوات مباشرة مع إسرائيل والأردن، مع رفضه التعاون مع دمشق في ملف المساعدات. وقد شكرت بعض التصريحات الصادرة عنه التدخل العسكري الإسرائيلي في السويداء، الأمر الذي يعكس بوضوح توجهًا متناميًا نحو تعزيز العلاقة مع تل أبيب على حساب الدولة السورية.

هذا النهج لم يقتصر على الجانب الإنساني فقط، بل ظهر أيضًا في الميدان، حيث تدخلت إسرائيل عسكريًا لدعم بعض الفصائل المسلحة ضد الجيش السوري، في محاولة لمنع دمشق من بسط سيطرتها الكاملة على المحافظة.

الممر الإنساني.. أداة اختراق جديدة

إذا ما نظرنا بتمعن إلى المشروع الإسرائيلي المقترح، فإن ما يسمى "الممر الإنساني" ليس سوى بوابة جديدة لتعزيز النفوذ الإسرائيلي في الجنوب السوري. فهو يحمل أهدافًا متعددة أبرزها:

  • تعميق الاختراق داخل المكون الدرزي: عبر تقديم الدعم المباشر وخلق حالة من الاعتمادية على إسرائيل.
  • تكريس التدخل كأمر واقع: بحيث يصبح الوجود الإسرائيلي في المحافظة جزءًا من الحياة اليومية للسكان.
  • تقديم إسرائيل كحامية للأقليات: وهو خطاب قديم تستخدمه تل أبيب لتبرير تدخلاتها في محيطها العربي.

أبعاد عسكرية وجغرافية للتدخل الإسرائيلي

التدخل الإسرائيلي في الجنوب السوري لم يبدأ اليوم، بل يعود إلى ما بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد. حيث سيطرت إسرائيل على مساحات واسعة تجاوزت 350 كيلومترًا مربعًا، مع سعيها لفرض منطقة عازلة تمتد إلى عمق 15 كيلومترًا داخل الأراضي السورية.

هذه الخطة تشمل أجزاء من محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء، وصولًا إلى ريف دمشق الجنوبي، مما يجعل السويداء ركيزة أساسية في المشروع الإسرائيلي. وقد ظهر ذلك في أشكال متعددة: من التدخل العسكري المباشر، إلى التهجير القسري لبعض سكان البادية، وصولًا إلى مشاريع "الممرات الإنسانية".

انقسام داخل البيت الدرزي

رغم العلاقة الوثيقة التي تربط إسرائيل بالشيخ حكمت الهجري، إلا أن المكون الدرزي في السويداء ليس على قلب رجل واحد تجاه الموقف من إسرائيل. فهناك شخصيات دينية بارزة، مثل الشيخ ليث البلعوس، ترفض بشدة أي تدخل إسرائيلي في الشأن السوري، وتؤكد على دعمها لدمشق رغم الخلافات السياسية.

هذا الانقسام يعكس معركة الهوية التي تخوضها الطائفة الدرزية، حيث تحاول إسرائيل تقديم نفسها كحامية للأقليات، بينما ترى أصوات أخرى أن الانخراط مع إسرائيل يهدد هوية الدروز السورية وارتباطهم التاريخي بالدولة.

السويداء في الإستراتيجية الإسرائيلية

تل أبيب تنظر إلى السويداء ليس فقط باعتبارها محافظة سورية غنية بالتنوع، بل كجزء من مشروعها الأوسع لإعادة تشكيل الجنوب السوري. فإسرائيل تسعى إلى خلق "سوريا جديدة" مفككة، غير قادرة على بسط سيادتها على كامل أراضيها، مع إبقاء المناطق الحدودية تحت تأثيرها المباشر.

هذا ما يفسر إصرارها على التدخل المتكرر في السويداء، سواء عبر إنزالات جوية أو دعم مباشر لفصائل محلية، وصولًا إلى محاولات فرض الممر الإنساني كأمر واقع.

دمشق بين الرفض والضغط الدولي

الحكومة السورية من جهتها أظهرت اهتمامًا متزايدًا بالملف الإنساني في السويداء، في محاولة لإفشال السردية الإسرائيلية حول "حصار السويداء". وقد سيّرت دمشق قوافل مساعدات منتظمة خلال الأسابيع الماضية، مع تأكيدها أنها لن تقبل بفتح أي ممر بإشراف إسرائيل.

غير أن الضغوط الدولية المتزايدة، وخاصة من واشنطن، تجعل من الملف أحد أبرز التحديات أمام الحكم الجديد في سوريا، حيث يشكل الاستثمار الإسرائيلي في الأزمة الدرزية عامل ضغط متواصل على الدولة الساعية إلى تثبيت مؤسساتها.

خاتمة: ما وراء الإنسانية

في المحصلة، فإن مشروع الممر الإنساني الإسرائيلي نحو السويداء لا يمكن النظر إليه بمعزل عن السياق الإقليمي الأوسع. فالأمر يتجاوز فكرة إدخال المساعدات إلى مشروع متكامل يهدف إلى:

  • إعادة رسم الخارطة الجيوسياسية للجنوب السوري.
  • تعميق الانقسامات داخل المجتمع الدرزي والسوري ككل.
  • تكريس صورة إسرائيل كقوة إقليمية قادرة على التحكم في مصائر الجوار.

وبينما تحاول دمشق الصمود أمام هذه الضغوط، يبقى السؤال الأهم: هل ستتمكن من إفشال المشروع الإسرائيلي في السويداء، أم أن تل أبيب ستنجح في فرض واقع جديد يعمّق الشرخ بين الدروز والدولة السورية؟

إرسال تعليق