نتنياهو واحتلال غزة: مخاطر العودة للسيطرة الكاملة
في خطوة أثارت جدلاً واسعاً على الساحة الدولية، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن نيته فرض سيطرة كاملة على قطاع غزة، بعد نحو عشرين عاماً من الانسحاب الإسرائيلي. هذا الإعلان يمثل تحولاً إستراتيجياً خطيراً، ويثير أسئلة حول قدرة إسرائيل على تنفيذ هذا التهديد، تكلفة العملية، وما الذي سيحدث بعد الاحتلال.
خطة الاحتلال وأبعادها العسكرية
تستند خطة الاحتلال الإسرائيلي إلى اجتياح مدينة غزة أولاً، مع تهجير السكان إلى الجنوب، ثم التوغل تدريجياً في التجمعات السكنية ومخيمات اللاجئين. الهدف هو إسقاط البنية العسكرية والإدارية لحركة حماس وفرض إدارة إسرائيلية مباشرة، كما كان الوضع قبل انسحاب عام 2005.
المعروف أن الجيش الإسرائيلي يمتلك تفوقاً جوياً وبرياً، وتقنيات استخباراتية متقدمة، إلا أن السيطرة على 2.2 مليون فلسطيني في منطقة ضيقة ومكتظة بالسكان تمثل تحدياً ضخماً. الحروب السابقة في لبنان وغزة أظهرت أن دخول القطاع لا يعني القدرة على السيطرة اليومية، بل يؤدي إلى استنزاف طويل الأمد.
التكاليف البشرية للاحتلال
فرض السيطرة الكاملة يعني مواجهات عنيفة في المناطق الحضرية، واشتباكات في الأنفاق والمخيمات، ما يؤدي إلى خسائر كبيرة بين الجنود والمدنيين على حد سواء. التهجير القسري وانهيار البنية التحتية الصحية والتعليمية يزيد من حجم الأزمة الإنسانية، ويحتمل أن يولد موجة لاجئين جديدة يصعب احتواؤها.
التكاليف الاقتصادية والمادية
الاحتلال الكامل سيستنزف ميزانية إسرائيل العسكرية والمدنية على حد سواء. التكلفة العسكرية تشمل الذخائر، الدعم اللوجستي، وحدات الكوماندوز والطائرات المسيرة، فيما تشمل التكاليف المدنية توفير الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم والكهرباء والمياه والصرف الصحي. هذا إلى جانب تأثير سلبي على الاقتصاد الإسرائيلي بسبب هروب المستثمرين وتراجع السياحة وارتفاع كلفة التأمين.
التكاليف السياسية والاستراتيجية
دولياً، سيعيد الاحتلال تعريف إسرائيل كقوة محتلة بموجب اتفاقيات جنيف، مما يضعها أمام مسؤولية مباشرة عن الانتهاكات الإنسانية. حتى الحلفاء التقليديون، مثل الولايات المتحدة وأوروبا، سيجدون أنفسهم في موقف محرج بسبب الضغوط الداخلية. سيزيد العزلة الدولية، ويرتفع منسوب الغضب العربي والإسلامي، وستتسارع دعوات المقاطعة وحملات التضامن مع الشعب الفلسطيني.
القدرة على الاحتلال والسيطرة
من الناحية العسكرية، يمكن للجيش الإسرائيلي اجتياح القطاع، لكن السيطرة اليومية واستقرار الأمن تبدو شبه مستحيلة. حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى ستتحول إلى شبكات مقاومة غير نظامية، مما سيؤدي إلى حرب استنزاف طويلة الأمد. الاحتلال سيصبح أكثر تعقيداً بفعل البيئة المدنية المكتظة والأنفاق والمخيمات.
رد المقاومة الفلسطينية
حتى لو سقطت البنية العسكرية الظاهرة لحماس، فإن المقاومة ستستمر على شكل شبكات شعبية وشبحية، مع هجمات متفرقة تؤدي إلى استمرار حالة عدم الاستقرار. الاحتلال الكامل سيصبح وقوداً لتحفيز المقاومة الشاملة، داخلياً وخارجياً.
الموقف الدولي والتحولات القانونية
فرض الاحتلال الكامل سيغير موقف المجتمع الدولي تجاه إسرائيل. من الناحية القانونية، ستتحمل إسرائيل مسؤوليات كاملة تجاه السكان المدنيين، وسيصبح القادة الإسرائيليون عرضة للملاحقة في المحاكم الدولية بتهم جرائم حرب. سيزداد الضغط على الحلفاء، ويشهد الرأي العام العالمي موجة تضامن متصاعدة مع الفلسطينيين.
الفراغ السياسي وما بعد الاحتلال
لا توجد خطة واضحة لما بعد الاحتلال. من سيدير غزة؟ هل ستفرض سلطة عسكرية إسرائيلية؟ أو إدارة محلية بديلة؟ الواقع يشير إلى أن الاحتلال قد يؤدي إلى فوضى واستمرار المقاومة، وتحول غزة إلى أرض مشتعلة بالمقاومة الشعبية المسلحة.
دوافع نتنياهو السياسية
إصرار نتنياهو على الاحتلال الكامل ينبع من ضغوط سياسية داخلية، فشل استخباري وعسكري سابق، ومناورات ضمن ائتلافه اليميني. الاحتلال يشكل أداة لتعزيز صورته أمام الرأي العام الإسرائيلي، لكنه لا يحمل خطة واضحة لتحقيق الاستقرار أو التسوية السياسية. الهدف السياسي النهائي هو تثبيت واقع فلسطيني مجزأ بلا تمثيل جامع، وتفادي أي تسوية سلمية حقيقية.
الاستنتاج النهائي
بين القوة العسكرية والقيود السياسية والاقتصادية والدولية، يظهر أن الاحتلال الكامل لغزة قد يتحول إلى لعنة سياسية واستراتيجية على إسرائيل. رغم القدرة على الدخول عسكرياً، فإن السيطرة والإدارة والاستمرارية تبدو مستحيلة. سينتج عن ذلك مقاومة دائمة، أزمة إنسانية ضخمة، وعزلة دولية واسعة، ما يجعل الاحتلال مكلفاً بشدة ويمثل فخاً تاريخياً لإسرائيل.