نتنياهو بين المفاوضات وخطة احتلال غزة: قراءة تحليلية شاملة
في الأسابيع الأخيرة عاد اسم بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، إلى الواجهة بقوة بعد الإعلان عن بدء مفاوضات فورية بالتوازي مع خطة عسكرية لاحتلال قطاع غزة. هذا الموقف المزدوج أثار جدلاً واسعًا في الأوساط السياسية والإعلامية؛ فبينما يرى البعض أنه خطوة تكتيكية للضغط على الأطراف الفلسطينية والدولية، يعتبر آخرون أن ما يجري ليس سوى تمهيد لإعادة رسم خرائط السيطرة في القطاع.
خلفيات سياسية: نتنياهو بين الأزمات الداخلية والخارجية
يعيش نتنياهو وضعًا داخليًا معقدًا. الاحتجاجات الشعبية المستمرة، والانقسامات داخل الائتلاف الحكومي، إلى جانب الضغوط القضائية، جعلت من ملف غزة فرصة للهروب إلى الأمام. فالمواجهة العسكرية تمنحه أوراق قوة أمام الرأي العام الإسرائيلي الذي يبحث عن "صورة نصر"، بينما المفاوضات قد تكون وسيلة لإقناع المجتمع الدولي بجدّيته في البحث عن حلول سياسية.
تفاصيل الإعلان: المفاوضات والاحتلال في آن واحد
ما يثير الانتباه أن نتنياهو لم يفصل بين المسارين. فقد أوعز ببدء مفاوضات عبر قنوات متعددة، في الوقت الذي طلب فيه من الجيش إعداد خطط ميدانية لاقتحام غزة وإدارة القطاع أمنيًا بشكل مباشر أو عبر سلطات بديلة. هذا التناقض الظاهر يخدم استراتيجية "العصا والجزرة"، حيث يُقدّم التهديد العسكري كوسيلة لفرض شروط سياسية على الطرف الفلسطيني.
الأبعاد العسكرية لخطة احتلال غزة
وفقًا للتسريبات الإسرائيلية، فإن الخطة تعتمد على عدة مراحل:
- ضربات جوية مركّزة تستهدف البنية التحتية والقدرات العسكرية لفصائل المقاومة.
- تقدم بري تدريجي نحو مراكز المدن الكبرى داخل القطاع.
- إقامة مناطق عازلة بهدف تفكيك العمق الجغرافي لغزة.
- إدارة مؤقتة عبر الحاكم العسكري الإسرائيلي لحين إيجاد "بديل سياسي".
التداعيات الإنسانية المحتملة
لا يمكن فصل أي عملية عسكرية واسعة في غزة عن الكارثة الإنسانية التي ستتبعها. فالقطاع يعاني أصلًا من حصار طويل وانهيار في البنية التحتية. أي حرب جديدة ستعني:
- نزوح مئات الآلاف من المدنيين.
- تفاقم أزمة الغذاء والدواء.
- ضغط غير مسبوق على المستشفيات المتهالكة.
- انهيار خدمات الكهرباء والمياه بشكل كامل تقريبًا.
ردود الفعل الإقليمية والدولية
الموقف العربي ما زال مترددًا بين بيانات الشجب والدعوات لضبط النفس، لكن بعض الدول تخشى من انفجار إقليمي أوسع قد يجر أطرافًا جديدة إلى ساحة المواجهة. أما الولايات المتحدة، فتسعى للحفاظ على "إدارة الأزمة" بدلًا من حلّها جذريًا، إذ ترى أن أي حرب مفتوحة ستُعقّد حساباتها في الشرق الأوسط. الاتحاد الأوروبي من جانبه يكرر مواقفه التقليدية حول "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها" مع التحذير من استخدام مفرط للقوة.
تحليل سياسي: لعبة الوقت والمراوغة
من الواضح أن نتنياهو يستخدم المفاوضات كأداة علاقات عامة، ليُظهر نفسه كشخصية "مسؤولة" أمام المجتمع الدولي، بينما في الواقع يدفع بمؤسساته الأمنية نحو خيار الاحتلال المباشر. هذا التناقض يعكس رغبة في كسب الوقت، وإعادة ترتيب الأوراق، خصوصًا في ظل الضغط الأمريكي والأوروبي لعدم تفجير الأوضاع بالكامل.
الخاتمة: غزة بين المطرقة والسندان
في النهاية، تبقى غزة عالقة بين مسارين متناقضين: مفاوضات قد تكون شكلية وغير جادة، وخطة عسكرية قد تُغرق المنطقة في فوضى طويلة الأمد. وبين هذا وذاك، يدفع المدنيون الفلسطينيون الثمن الأكبر. مستقبل القطاع اليوم مرتبط بقدرة الأطراف الدولية على كبح جماح نتنياهو، وإجبار إسرائيل على التوجه نحو حل سياسي عادل بدلًا من منطق الاحتلال والقوة.