حكمت الهجري: سيرة الزعيم الروحي لطائفة الدروز في السويداء
يُعد الشيخ حكمت سلمان الهجري أحد أبرز الرموز الدينية والسياسية في سوريا خلال السنوات الأخيرة. وهو يشغل منصب شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز، الزعامة الروحية الأعلى للطائفة في سوريا، ويُمثل صوتًا شعبيًا متصاعدًا في محافظة السويداء التي كانت مركزًا لاحتجاجات متعددة ضد السلطة.
النشأة والخلفية العائلية
ولد الشيخ حكمت الهجري في 9 يونيو 1965 في فنزويلا، أثناء إقامة والده هناك في العمل. ثم عاد مع أسرته إلى سوريا، حيث نشأ وتلقى تعليمه. التحق لاحقًا بكلية الحقوق بجامعة دمشق، لكن انخراطه في الشؤون الدينية طغى على مساره الأكاديمي. ينحدر الهجري من عائلة دينية عريقة، حيث تَعاقَب فيها مشايخ عقل منذ عقود، ما جعله وريثًا طبيعيًا لهذا المنصب.
خلافة المنصب الروحي
في عام 2012، تولى حكمت الهجري منصب شيخ العقل بعد وفاة شقيقه الشيخ أحمد الهجري. وخلافًا لما هو سائد من تقسيم زعامة مشايخ العقل إلى ثلاثة مشايخ ممثلين للطائفة في مختلف المناطق، أصبح الشيخ حكمت أكثرهم حضورًا وتأثيرًا، خاصة في منطقة القنوات، معقل الدروز في السويداء.
بين الدين والسياسة: المواقف المتبدلة
في بدايات الثورة السورية، حرص الشيخ حكمت الهجري على الابتعاد عن الاصطفافات السياسية الحادة. فقد دعا إلى السلم الأهلي، وعدم الزج بأبناء الطائفة في الحرب، مع تشديده على حماية المنطقة. لكنه سرعان ما اتُهم من بعض النشطاء بأنه موالٍ للنظام بعد دعواته للدفاع عن مؤسسات الدولة.
في عام 2021، انقلبت المعادلة بشكل كبير بعد حادثة إهانته من قبل رئيس فرع المخابرات العسكرية في الجنوب السوري، اللواء لؤي العلي، حيث أُجبِر على الانتظار لساعات في مكتب الأخير. أثارت الحادثة موجة احتجاج غير مسبوقة، ودفعته إلى اتخاذ مواقف أكثر جرأة ضد السلطة.
أزمة الثقة مع النظام
تزايدت انتقادات الهجري العلنية لممارسات النظام السوري وأجهزته الأمنية. وطالب مرارًا بالإفراج عن المعتقلين، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وإيقاف الممارسات القمعية. ولعب دورًا كبيرًا في احتواء المظاهرات دون أن يتحول إلى أداة لقمعها، ما أكسبه احترام شريحة واسعة من شباب الحراك في السويداء.
صعود سياسي بعد سقوط الأسد
مع انهيار النظام السوري في ديسمبر 2024، برز الشيخ الهجري كواحد من أبرز الشخصيات التي تمتلك رؤية للمرحلة الانتقالية. دعا إلى قيام نظام لامركزي ديمقراطي، وإجراء انتخابات حرة، ورفض أي حلول مفروضة من الخارج دون توافق شعبي.
رفض الحكومة الانتقالية
في مارس 2025، أعلن الشيخ حكمت رفضه الاعتراف بالحكومة الانتقالية المدعومة من الخارج، واصفًا إياها بأنها استمرار لمنظومة الإقصاء والتهميش. كما طالب بإشراك القوى المحلية في صياغة دستور جديد، ومنح المجتمعات المحلية صلاحيات حقيقية.
التحديات الأمنية والنزاعات الداخلية
شهدت السويداء سلسلة من النزاعات المسلحة بين فصائل محلية وعشائر بدوية في منتصف عام 2025. سعى الهجري إلى تهدئة التوتر، محذرًا من انزلاق المنطقة إلى صراعات أهلية. كما وجّه رسائل شديدة اللهجة إلى الأطراف الداخلية والخارجية بعدم التدخل في شؤون السويداء دون موافقة مجتمعية صريحة.
خطاب المقاومة السلمية والدفاع الذاتي
على الرغم من تصاعد التهديدات، تمسك الشيخ حكمت بخيار المقاومة السلمية، مع تأكيده على الحق في الدفاع عن النفس في حال تم تهديد المنطقة عسكريًا. ورفض إدخال أي قوات غير سورية إلى المحافظة، مطالبًا بدور أممي ضامن للسلام في الجنوب.
مواقف في الإعلام والمجتمع المدني
أجرى الهجري عدة لقاءات مع وسائط إعلام محلية وعربية، دعا فيها إلى استقلالية القرار الدرزي، وتوحيد الصفوف الداخلية، والعمل المشترك مع المكونات الأخرى لبناء سوريا جديدة. كما دعم مبادرات مجتمعية لإعادة بناء المؤسسات التعليمية والخدمية في السويداء.
خلاصة واستشراف
الشيخ حكمت الهجري ليس فقط زعيمًا روحيًا، بل أصبح أحد أبرز مكونات المشهد السوري الجديد. جمع بين الحكمة الدينية والبصيرة السياسية، وطرح نفسه كمحاور لا كلاعب مسلح. مصداقيته تعززت بعد صموده أمام الإقصاء والضغوط، واستعداده للحوار، دون تفريط بحقوق طائفته أو الوطن.
يبقى مستقبل الشيخ حكمت مرهونًا بقدرة القوى الوطنية على البناء على خطابه العقلاني، وبمدى تجاوب الشارع السوري مع دعوته للعدالة والسيادة الوطنية.
المصادر: الجزيرة نت، الشرق الأوسط، BBC Arabic، الموسوعة الحرة، لقاءات محلية حصرية