أهارون حاليفا يكشف خطط اغتيال السنوار والضيف قبل 7 أكتوبر: اعترافات مثيرة من قلب الاستخبارات الإشليزية
مقدمة
تتصاعد حدة الجدل في الساحة الإسرائيلية بعد نشر القناة 12 العبرية تسريبات منسوبة إلى أهارون حاليفا، الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية المعروف باسم أمان. حاليفا، الذي استقال من منصبه عقب أحداث طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023، كشف في حديث مطول عن إخفاقات خطيرة سبقت العملية المفاجئة التي نفذتها كتائب القسام، وعن خطط إسرائيلية كانت تستهدف اغتيال كبار قادة حماس وعلى رأسهم محمد الضيف ويحيى السنوار.
ولم يكتفِ حاليفا بالاعتراف بالفشل، بل أثار موجة غضب واسعة بعد تصريحاته التي دعا فيها إلى "إحداث نكبة جديدة" بحق الفلسطينيين، معتبراً أن سقوط أكثر من خمسين ألف قتيل في غزة أمر "ضروري ومطلوب للأجيال القادمة". هذه الاعترافات تسلط الضوء على عقلية المؤسسة الأمنية الإسرائيلية وتكشف عن عمق الأزمة التي تعصف بها منذ 7 أكتوبر.
من هو أهارون حاليفا؟
يُعد أهارون حاليفا من أبرز الجنرالات الذين صعدوا داخل الجيش الإسرائيلي خلال العقدين الأخيرين. شغل عدة مناصب في شعبة الاستخبارات العسكرية، قبل أن يتم تعيينه رئيسًا لجهاز "أمان" عام 2021. عرف عنه تشدده في التعامل مع الملف الفلسطيني، وخصوصًا مع قطاع غزة، حيث كان من أبرز الداعين إلى تبني استراتيجية "الاغتيالات المركزة" كوسيلة لردع المقاومة.
ورغم تمتعه بخبرة طويلة، فإن مسيرته انهارت بشكل درامي بعد عملية طوفان الأقصى، إذ وُجهت له انتقادات شديدة باعتباره المسؤول الأول عن الفشل الاستخباراتي الذي سمح بمرور أكبر اختراق أمني في تاريخ إسرائيل الحديث. استقال حاليفا في مايو 2024، لكنه ظل حاضرًا في النقاش العام عبر تصريحات تكشف حجم الارتباك داخل المنظومة الأمنية.
خطط اغتيال السنوار والضيف
كشف حاليفا أن جهاز الشاباك كان يستعد قبيل السابع من أكتوبر لتنفيذ عملية واسعة تستهدف اغتيال كل من محمد الضيف، القائد العام لكتائب القسام، ويحيى السنوار، زعيم حماس في قطاع غزة. وأوضح أن الشاباك عرض عليه خطة تقوم على جمع معلومات استخباراتية دقيقة بعد انتهاء الأعياد اليهودية، على أن يتم تنفيذ الاغتيالات ضمن عملية مشتركة بين الجيش والاستخبارات.
إلا أن الهجوم الذي شنته المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر أربك هذه المخططات بالكامل، وأدى إلى ما وصفه حاليفا بأنه "انهيار شامل للثقة بالنظام الأمني". هذه الاعترافات، إن صحت، تعني أن إسرائيل كانت تخطط مسبقًا لتصعيد عسكري كبير، ما يطرح تساؤلات حول طبيعة الحرب وما إذا كانت ستندلع عاجلاً أم آجلاً.
الإخفاق الاستخباراتي: اعتراف مؤلم
اعترف حاليفا أن أجهزة الأمن الإسرائيلية عاشت حالة من "الثقة الزائدة" قبيل الهجوم، حيث كانت تتعامل مع نفسها على أنها قادرة على توقع أي سيناريو. لكنه أشار إلى أن ما جرى كشف "غرورًا داخليًا عميقًا"، مضيفًا أن المشكلة ليست في أفراد أو قيادات بعينها، بل في بنية المنظومة الأمنية نفسها التي تحتاج إلى "تفكيك وإعادة تركيب".
واستحضر الجنرال المتقاعد أمثلة تاريخية مثل بيرل هاربر وأحداث 11 سبتمبر وحرب أكتوبر 1973، مؤكداً أن المفاجآت الاستراتيجية قد تتكرر دائمًا حتى مع أكثر الدول تقدمًا في المجال الأمني. وأوضح أنه حاول خلال عمله أن يقلل من احتمالية تكرار مثل هذه الإخفاقات، لكن الأحداث أثبتت أن المخاطر لا يمكن القضاء عليها كليًا.
نكبة جديدة: أخطر ما قاله حاليفا
أكثر ما أثار الغضب في تصريحات حاليفا هو حديثه عن ضرورة إيقاع نكبة جديدة بالفلسطينيين. فقد قال صراحة إن مقتل خمسين ألف فلسطيني في غزة يجب النظر إليه كـ"ثمن ضروري ورسالة ردع للأجيال القادمة". وأكد أنه لا يتحدث بدافع الانتقام، بل من منطلق "إستراتيجي" يرى أن الفلسطينيين بحاجة إلى "نكبة من وقت لآخر" ليتعلموا حدودهم.
هذا الطرح يعيد إلى الأذهان سياسات التهجير والتطهير العرقي التي ارتكبتها العصابات الصهيونية عام 1948، والتي أدت إلى تهجير مئات آلاف الفلسطينيين. وبذلك، فإن تصريحات حاليفا ليست مجرد رأي شخصي، بل تعكس ذهنية متجذرة داخل قطاعات من المؤسسة الأمنية والسياسية الإسرائيلية.
التأثير السياسي والجدل في إسرائيل
أثارت هذه التصريحات نقاشًا واسعًا داخل إسرائيل. فبينما يرى اليمين المتطرف أنها تمثل "حقيقة لا بد من مواجهتها"، اعتبر آخرون أنها تقوّض صورة إسرائيل أمام العالم وتقدم أدلة إضافية على "النوايا الإبادة الجماعية" التي تتبناها ضد الشعب الفلسطيني. كما أن اعترافاته بالفشل الاستخباراتي تمثل مادة دسمة للمعارضة التي تحاول تحميل الحكومة ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو المسؤولية الكاملة عن الكارثة الأمنية.
على الصعيد الدولي، قد تسهم هذه التصريحات في زيادة الضغوط على إسرائيل داخل المحافل القضائية مثل محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، حيث يجري التحقيق بالفعل في شبهات ارتكاب جرائم حرب في غزة. فتصريحات مسؤول استخباراتي رفيع المستوى عن "ضرورة نكبة جديدة" قد تُعتبر بمثابة دليل مباشر على وجود نية مسبقة لارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
ما بين الماضي والحاضر: دروس مفتوحة
تكشف اعترافات حاليفا أن إسرائيل، رغم تفوقها العسكري والتكنولوجي، ما زالت عاجزة عن ضمان أمنها بشكل كامل. كما تبرز أن الاعتماد المفرط على القوة والاغتيالات لم ينجح في القضاء على المقاومة الفلسطينية، بل ربما أدى إلى تقويتها بمرور الوقت. وبينما كان حاليفا يراهن على أن "إحداث نكبة جديدة" سيردع الفلسطينيين، فإن التاريخ أثبت أن كل موجة من القمع والتهجير لم تؤدِ إلا إلى مزيد من الصمود والإصرار على النضال.