فضيحة دبلوماسية: غضب إماراتي بعد خطأ أمني خطير لسفير الاحتلال

سفير الاحتلال في الإمارات يثير أزمة بعد نشر صورة وصفت بتهديد أمني خطير، ما أدى لغضب أبوظبي وتحذيرات إسرائيلية من مخاطر محتملة

حذف صورة سفير إسرائيل في أبوظبي بعد اعتبارها «خطرًا أمنيًا» — تداعيات ومقاصد

أثار نشر صورة لسفير إسرائيل لدى الإمارات، يوسي شيلي، ثم حذفها لاحقًا من حسابه على منصة «إكس» (سابقًا تويتر) غضبًا واسعًا وردّ فعل أمنيًا رسميًا داخل دوائر الاحتلال وخارجها، إذ اعتبرت جهات أمنية أن الصورة قد تكشف تفاصيل حساسة عن موقع أو محيط مقر السفارة، وقد تُعرّضها لمخاطر عملية مثل الهجمات بالطائرات المسيّرة أو استهدافات ميدانية أخرى.

ماذا نعرف عن الصورة وما الذي أزعج الجهات الأمنية؟

وفق تقارير نقلت عن هيئة البث الرسمية «كان»، نشر السفير صورة له داخل مكتب السفارة وهو يضع لفافات التفلين (اللفافات الصلاة اليهودية)، وبدا في الخلفية الجزء الخارجي من النافذة مع ملامح قد تكون قابلة للتعرّف، وهو ما دفع أجهزة أمن إسرائيلية إلى وصف النشر بأنه «انتهاك لبروتوكولات الأمن». بعدها بساعات قام السفير بحذف الصورة واستبدالها بمنشور آخر.

القلق الأمني لم ينبع فقط من كون الصورة التقطت داخل مبنى دبلوماسي، بل من احتمال أن تكون عناصر المشهد الخارجي — مبانٍ مميزة، أعمدة كهرباء، أو معالم أخرى — قابلة للمطابقة جغرافيًا مع خرائط، ما يمكّن خصومًا محتملين من تضييق نطاق الاستهداف، خصوصًا في ظل تحذيرات سابقة عن نشاط خلايا إقليمية تستهدف مصالح إسرائيل في المنطقة.

خلفية الصدام: سجل سلوكي وتوترات سابقة

الحادثة الحالية ليست معزولة؛ فقد تصاعدت خلال الأسابيع الماضية تقارير عبرية عن احتكاكات وسلوكيات منسوبة إلى السفير نفسه أثارت استياء الجانب الإماراتي، وتسببت في تقديم شكاوى عبر قنوات غير رسمية ضدّ السفير تتعلق بـ«سلوك غير مناسب» وخرق للبروتوكولات المحلية، ومنها شكاوى حول حوادث في أماكن عامة وتصرفات أُعتبرت استفزازية أو مرفوضة من زاوية التهذيب الدبلوماسي.

إثر تتابع هذه التقارير، أفادت وسائل إعلام عبرية أن مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلي دخل في مناقشات داخلية مع السفير، وأن المؤسسة الأمنية طالبت بإجراءات تصحيحية وربما إعادة تقييم لوجوده في المنصب، بينما نفت الجهات الرسمية الإسرائيلية الأنباء في بعض الأحيان أو قدمت توضيحات متباينة.

ردود الفعل الإماراتية والإسرائيلية

وفق التغطية الإعلامية، أبلغت جهات إماراتية معنية عن «استياء» من نشر الصورة، ووصفت بعض المصادر أن إعلان غضب رسميًا أو تقديم «شكاوى غير رسمية» كان جزءًا من محاولات إيصال رسالة واضحة بأن هناك حدودًا للسلوك الدبلوماسي داخل الإمارات. وفي المقابل، تصاعدت الدعوات داخل الأوساط الأمنية الإسرائيلية لضرورة تشديد مراقبة سلوك السفراء واتباع تعليمات الأمن حول النشر الاجتماعي.

مصدر أمني عبري قال إن الصورة قد تشكّل «انتهاكًا جسيمًا» لإجراءات الأمن الدبلوماسي، وذلك في وقت يزداد فيه التهديد الإقليمي ضِد أهداف إسرائيلية في الخارج.

لماذا تشكل صور الساسة والدبلوماسيين خطرًا أمنيًا؟

النشر البسيط لصورة قد يبدو تافهًا، لكنه قد يتيح معلومات جغرافية أو لوجستية حساسة عندما تقترن ببيانات أخرى: توقيت النشر، اتجاه الإضاءة (مما يكشف جهة النافذة أو الشارع)، وجود مركبات أو علامات مرورية قابلة للتمييز، أو رؤية لمشاهد بحرية أو جبلية يمكن تمييزها. يُعرف هذا النوع من المخاطر في دوائر الاستخبارات والتحليل باسم «جمع المعلومات البصرية» الذي يُستخدم لتهيئة بيئة استهداف حقيقية. لذلك تتعامل المؤسسات الأمنية بحساسية مع كل ما يُنشر من داخل مباني حيوية.

سياق أمني متوتّر: تحذيرات وإجلاءات سابقة

قبل أيام من حادثة الصورة، كانت تقارير إعلامية قد أفادت بأن إسرائيل قامت بإجلاء جزء من موظفي بعثتها في الإمارات ودفعت باتجاه احتياطات إضافية نتيجة تزايد تهديدات استخباراتية وإقليمية، مما يضع الحادث في سياق أوسع من القلق المؤسسي حول مستوى الخطر والتهدّد بالهجمات عبر طرق غير تقليدية كالمسيّرات.

الأبعاد الدبلوماسية: من الاحتجاجات إلى تأثيرات على العلاقات

دبلوماسياً، مثل هذه الحوادث تستفز _قنوات التواصل الصامتة_ بين الدول؛ فالإمارات لا تود أن تتحول الشراكة مع إسرائيل إلى عبء نتيجة سلوكيات تعتبرها خارجة عن الأعراف، وعلى الجانب الآخر تسعى إسرائيل للحفاظ على مكتسبات التطبيع مع شركاء خليجيين دون الإضرار بصورتها أو بقدراتها الاستخباراتية في الخارج. لذلك، التصعيد الدبلوماسي هنا قد يأخذ صيغة «ملاحظات رسمية» أو «شكاوى غير رسمية» قبل أن يتحول إلى خطوات علنية مثل استبدال السفير أو سحبه.

تحليل: لماذا حذف الصورة بدلًا من إبقائها؟

الحذف السريع يعكس عادة نوعين من الضغوط: ضغوط داخلية (من أجهزة الأمن والسلطات في البلد الأصلي) وضغوط خارجية (ردود فعل الدولة المضيفة أو نصائحها الأمنية). حذف الصورة يهدف أولًا إلى إزالة المصدر الظاهر لمعلومات قد يستغلها خصوم، وثانيًا لتهدئة الشريك المحلي (الإمارات) وتفادي تفاقم التوترات التي قد تؤثر على تعاون استخباراتي أو عمليات مشتركة.

أبعاد إعلامية: الدور الذي تؤديه وسائل التواصل في دبلوماسية القرن الحادي والعشرين

المنصات الاجتماعية أعادت تعريف قواعد التواصل الرسمي؛ فالسفير يمكن أن يكون مرآة سياسية ودبلوماسية وعلامة من العلامات الناعمة للدولة. لكن هذا الامتياز الجديد لصق به خطران: الرسائل المتسرعة قد تُسيء إلى البروتوكول، وقد تُكلف أمنًا أو تحوّلاً في علاقات رقيقة بين دول. إدارة هذا الخلط بين الشخصية الرسمية والحضور نصف الخاص تتطلب تدريبًا صارمًا وإطارات توجيهية لمن يعملون في البعثات.

ماذا بعد؟ سيناريوهات محتملة

يمكن تلخيص السيناريوهات المحتملة في أربعة مسارات:

  1. تهدئة وسحب الموقف داخليًا: إجراءات تصحيحية تجاه السفير (تحذير رسمي أو تدابير تدريبية) مع استمرار بقائه في منصبه إذا ما استنكف الطرفان عن تصعيد علني.
  2. رد فعل إماراتي رسمي: تحويل الشكاوى إلى احتجاج رسمي أو طلب استبدال السفير، ما قد يؤدي إلى تغيير دبلوماسي محدود.
  3. خطوات أمنية إضافية: تشديد إجراءات الحماية في البعثة الإسرائيلية في الإمارات وإجراءات نشر وحظر النشر من داخل المبنى.
  4. احتواء إعلامي: محاولة التهدئة عبر بيان مشترك أو تصريحات تخفف من وطأة الحادث وتضعها في إطار «سوء تفاهم» بدلاً من أزمة دبلوماسية.

توصيات عملية للمؤسسات والدبلوماسيين

من الدروس العملية التي تفرضها الحادثة على أي بعثة دبلوماسية أو موظف رسمي:

  • إقرار سياسة نشر واضحة ومحددة تشمل أمثلة مرئية لما يُمنع مشاركته من داخل البعثة.
  • تدريب دوري على الأمن الرقمي والبصري، خاصّة كيفية تجنّب إعطاء مؤشرات مكانية في المنشورات.
  • تنسيق دائم مع جهات الاستضافة حول القواعد المحلية الحساسة واحترامها لتفادي حوادث تؤثر على العلاقات الثنائية.
  • آليات داخلية سريعة لسحب المحتوى ومراجعة الأخطاء لتفادي تسونامي إعلامي أو أمني.

خلاصة

ما بدا حادثة «صورة وحذف» يتحول إلى مؤشر على هشاشة التوازن بين التواصل الحديث ومتطلبات الأمن والدبلوماسية التقليدية. الحادث يؤكد أن منصات التواصل لم تعد هامشًا في العمل الدبلوماسي، بل أصبحت جزءًا من منظومة المخاطر التي تتطلب تشريعات داخلية وتنسيقًا أعلى بين أصحاب القرار. وفي حالة السفير يوسي شيلي، تبدو المسألة أكبر من صورة واحدة؛ فهي حلقة في سلسلة علاقات وتصرفات تُعيد السؤال حول من يمثل الدولة، وكيفية تمثيلها في فضاءات أجنبية حساسة.

إرسال تعليق