القضاء بجنوب أفريقيا يسحب تراخيص توتال وشل للتنقيب في كيب الغربي

المحكمة العليا في كيب الغربية تُلغي ترخيصًا بيئيًا لمشروعي توتال إنرجيز وشل قبالة الساحل الغربي لجنوب أفريقيا. نستعرض حيثيات الحكم، ردود الشركات،

جنوب أفريقيا تُبطل الترخيص البيئي لـ"توتال إنرجيز" و"شل" في كيب الغربية

أصدرت المحكمة العليا في إقليم كيب الغربية بجنوب أفريقيا حكماً لافتاً قضى بإلغاء الترخيص البيئي المُمنح سابقاً لمشاريع الاستكشاف البحري المرتبطة بشركتي توتال إنرجيز الفرنسية وشل البريطانية. وجاء الحكم – الصادر بتاريخ 13 أغسطس/آب – على خلفية ما اعتبرته المحكمة قصوراً في تقييمات الأثر البيئي والاجتماعي، وخاصة ما يتصل بالسيناريوهات المحتملة لتسربات النفط وتأثيرها في الاقتصادات المحلية والثروات البحرية، وكذلك عدم دمج كافٍ للاعتبارات المناخية ضمن النمذجة وبدائل المشروع.

قرار المحكمة لا يجيء في فراغ؛ فهو حلقة ضمن سلسلة طويلة من المنازعات التي رافقت محاولات شركات الطاقة الحصول على موافقات لاختبارات الزلزالية والحفر في المياه الإقليمية لجنوب أفريقيا. ويعكس الحكم تزايد سطوة معايير الامتثال البيئي ومشاركة المجتمعات المحلية في القرار، مقابل رغبة الدولة والقطاع الخاص في الاستفادة من نافذة سعرية مواتية في أسواق الطاقة العالمية، وسباق محموم لاستنساخ اكتشافات نفطية وغازية كبرى تحققت في الجوار، لا سيما في ناميبيا.

خلفية القضية والسياق الجغرافي

يقع الامتياز محل الجدل – المعروف باسم البلوك 5/6/7 – بين كيب تاون ورأس أغولاس، وهو نطاق بحري حساس بيئياً اقتصادياً، إذ يجاور واحداً من أبرز مصائد الأسماك في البلاد وممرات بحرية كثيفة الحركة. ومعلوم أن ساحل كيب الغربية يُعد واجهة سياحية عالمية، ما يجعل أي نشاط استكشافي خاضعاً لمستوى تدقيق أعلى قياساً بمناطق أخرى الأقل كثافة سكانية أو نشاطاً اقتصادياً.

تاريخياً، اتخذت جنوب أفريقيا موقفاً متذبذباً حيال الاستغلال البحري للموارد الهيدروكربونية؛ فبعد محاولات مبكرة لم تحقق اكتشافات تجارية واسعة، عاد الاهتمام بقوة خلال العقد الأخير مع تحسن تقنيات الاستخراج العميق، وتزايد الطلب الإقليمي على الغاز كوقود انتقالي لتخفيف الاعتماد على الفحم وتقليل الانقطاعات الكهربائية المتكررة. في هذا السياق، بدا الساحل الغربي واعداً، خصوصاً أن حوض أورانج – الممتد من ناميبيا إلى جنوب أفريقيا – أثبت غنى جيولوجياً في الجانب الشمالي.

حيثيات الحكم القضائي وتفسيراته

أكدت القاضية نوباهلي مانغكو-لوكود أن على الشركات تقديم تقييمات جديدة أو مراجعة السابقة لمعالجة أوجه القصور، وفي مقدمتها عدم كفاية تحليل المخاطر الاجتماعية والاقتصادية لتسربات النفط وإغفال اعتبارات المناخ.

يُظهر منطوق الحكم توجهاً قضائياً نحو تشديد معايير الاحتراز البيئي، وهو ما ينسجم مع الاتجاه العالمي بعد سلسلة حوادث بحرية جسيمة في العقدين الماضيين. ومن الزاوية التقنية، ركزت المحكمة على عناصر محددة في تقارير التقييم البيئي، من بينها: طرق محاكاة انتشار الملوثات في حال حدوث تسرب، خطط الطوارئ لاحتواء البقع النفطية بالقرب من شواطئ صخرية وحساسة بيولوجياً، ومصفوفة الآثار غير المباشرة على سلاسل القيمة المحلية مثل الصيد والسياحة والخدمات اللوجستية.

أما على صعيد تغيّر المناخ، فثمّة توجه قضائي متنامٍ يعتبر أن أي مشروع هيدروكربوني جديد يجب أن يبرهن – ضمن التقييم – على الاتساق مع مسارات الانبعاثات الوطنية والأهداف العالمية. وهو ما يتطلب سيناريوهات بديلة وتبريراً لتلازم المشروع مع خطط التحول الطاقي، بما في ذلك إجراءات التعويض والكربنة السالبة حيثما أمكن.

رد الشركات وخيارات المسار القانوني

في رد فعل أولي، أكدت توتال إنرجيز التزامها بالقوانين المحلية وإجراءات التقاضي، وأشارت إلى أنها وشركاءها يدرسون الحكم لاتخاذ الخطوات القادمة. وكانت الشركة الفرنسية قد ألمحت سابقاً إلى نيتها الانسحاب من إدارة امتياز 5/6/7، بما يفتح الباب أمام دور أكبر لشركة شل، مع احتفاظ شركة النفط الوطنية الجنوب أفريقية بتروسا بحصة أقلية.

يستند المسار المتوقع للشركات إلى خيارين متوازيين: الأول إجرائي يتمثل في معالجة الملاحظات وإعادة تقديم تقييمات محدثة تستجيب لحيثيات الحكم؛ والثاني قانوني عبر التمسك بحقوق الاستئناف لجهات قضائية أعلى إن ارتؤي وجود عيوب في تفسير القانون أو في تقدير المحكمة للبينات الفنية. ومن المرجح أن يختلط المساران لضمان استمرار خيار الاستثمار مفتوحاً دون الإضرار بالسمعة المؤسسية.

الرهان الإقليمي: من حوض أورانج إلى طموحات الساحل الغربي

تتجه أنظار شركات الطاقة الكبرى إلى جنوب غرب القارة بعد زخّة من الاكتشافات في ناميبيا، حيث تُصنَّف بعض البنى الجيولوجية ضمن الأكثر واعدة عالمياً في العقد الحالي. لكن امتداد الحوض إلى جنوب أفريقيا لا يعني بالضرورة تماثلاً في مؤشرات الجدوى؛ فالفوارق في عمق المياه، الخصائص الرسوبية، وحتى ديناميات التيارات البحرية قد تفرض تكاليف ومخاطر تشغيلية مختلفة.

على المستوى الإقليمي، يضع الحكم الجنوب أفريقي معياراً إضافياً للامتثال قد تُحاكيه هيئات تنظيمية مجاورة، أو على الأقل سيؤخذ في الحسبان عند تخطيط المسوحات الزلزالية وإعداد ملفات المشاريع الجديدة. كما يُنتظر أن تتزايد الشراكات بين الشركات الدولية والمؤسسات الوطنية لتعزيز القبول الاجتماعي وتوسيع منافع المحتوى المحلي.

التداعيات البيئية والمناخية

اللافت في حيثيات الحكم هو التشديد على سلاسل الأثر غير المباشر، وهو منحى يتوافق مع أفضل الممارسات في تقييمات الأثر البيئي الحديثة. فبدلاً من حصر التقييم في حدود منصات الحفر وخطوط الأنابيب، يجري توسيع المنظار ليشمل التعارضات المحتملة مع مصائد الأسماك، تأثير الضجيج تحت الماء على الثدييات البحرية، ومخاطر تمدد بقع النفط نحو شواطئ حساسة تُعد ركائز للسياحة والهوية المحلية.

تطرح هذه المقاربة تحديات منهجية؛ إذ تتطلب نماذج محاكاة عالية الدقة للتيارات والرياح الموسمية، وبيانات زمنية طويلة لتقلبات الإيكولوجيا البحرية، فضلاً عن خطط استجابة طارئة مدعومة بقدرات فعلية من سفن ومعدات وكوادر مدربة. إن مجرد وجود خطة على الورق لا يكفي؛ فالمطلوب برهنة الجاهزية عبر تدريبات دورية ومذكرات تفاهم مسبقة مع السلطات المحلية ووحدات خفر السواحل.

ملاحظة: في البيئات الساحلية الكثيفة النشاط البشري، يُنظر إلى أي تسرب نفطي – حتى لو كان محدود المساحة والزمن – كحدث مرتفع الكلفة مجتمعياً، لأن أثره يمتد إلى سمعة الوجهة السياحية وثقة الأسواق في المنتجات البحرية.

أما من زاوية المناخ، فإن أي مشروع جديد في الهيدروكربونات بات مطالباً بإظهار مسارات للتقليل من الانبعاثات المرتبطة بالدورة الكاملة، بما في ذلك الاعتماد على كهرباء منخفضة الكربون في تشغيل المنصات، وخيارات الالتقاط والتخزين الكربوني حيثما أمكن، وخطط تفصيلية للتخلص من الحرق الروتيني للغاز.

العدالة الاجتماعية وحقوق المجتمعات الساحلية

رحبت منظمات بيئية وحقوقية، منها العدالة الطبيعية، بالحكم، واعتبرته انتصاراً لمبدأ المشاركة العامة والحق في المعلومة البيئية. ويُجسّد هذا الترحيب مطالبة متنامية بأن تكون المجتمعات المحلية شريكاً في صياغة القرار منذ المراحل المبكرة للمشروع، لا مجرد طرف يُعرض عليه الرأي بعد اكتمال التصميم.

تشمل أدوات المشاركة الفعّالة جلسات استماع مُيسّرة لغوياً وثقافياً، ونشر ملخصات مُبسطة للتقارير الفنية، وتمكين جمعيات الصيادين والسكان من الاطلاع على خرائط المخاطر وخطط الإخلاء في حال الطوارئ. كما يُفترض أن تتضمن وثائق المشروع آليات للتظلم والشكاوى مرتبطة بإطار زمني واضح للاستجابة.

الانعكاسات الاقتصادية وسيناريوهات الاستثمار

اقتصادياً، يعرقل الحكم الجداول الزمنية، لكنه لا يُغلق الباب أمام الاستثمار. فالشركات الدولية لا تزال ترى في جنوب أفريقيا سوقاً واعدة على المدى المتوسط، خاصة في الغاز. التحدي يكمن في كلفة الامتثال الإضافية – سواء في الدراسات أو في تجهيزات السلامة – مقابل ارتفاع سقف التوقعات المجتمعية.

في المدى القصير، قد تتجه الشركات إلى إعادة هيكلة الشراكات وتقاسم المخاطر، وربما إعادة جدولة الالتزامات الاستثمارية بانتظار اكتمال التقييمات المحدثة. أما في المدى الأبعد، فسيكون لسياسات الحكومة – مثل الحوافز الضريبية لمشاريع خفض الانبعاثات المحلية أو سلاسل التوريد الخضراء – أثر حاسم في إبقاء البلاد ضمن خريطة الاستكشاف العالمية.

  • تكاليف الامتثال: ارتفاع بنود النمذجة البيئية وخطط الاستجابة والتأمين.
  • المحتوى المحلي: فرص للشركات الوطنية في الخدمات البحرية، والمراقبة البيئية، والتدريب.
  • ثقة المستثمر: تتعزز حين تكون القواعد واضحة ومتسقة، حتى لو كانت صارمة.

الإطار القانوني والتنظيمي للمشاريع الاستخراجية

تتحرك المشاريع النفطية والغازية في جنوب أفريقيا ضمن شبكة من التشريعات البيئية والتنظيمية التي تضع مبدأ الوقاية في مركزها. ويؤكد الحكم الأخير أن الامتثال ليس مجرد متطلب إجرائي، بل معيار موضوعي يُقاس بإظهار القدرة على منع الضرر وتخفيفه والتعويض عنه عند اللزوم. لذا، فإن أي تقييم جديد يتعين أن يشمل: بدائل تقنية وجغرافية، مصفوفة مفصلة للمخاطر، خطط إدارة قابلية التسرّب، وأُطر متابعة ومراقبة مستقلة.

كما يُستحسن تعزيز آليات الشفافية، عبر نشر قواعد البيانات البيئية الأساسية وتوفيرها لجهات أكاديمية مستقلة تُجري مراجعات علمية تُسهم في تحسين جودة القرارات. وهذا الاتجاه من شأنه تقوية الثقة العامة وتقليل النزاعات القضائية المكلفة.

السيناريوهات المقبلة وخيارات صانع القرار

أمام الأطراف المعنية مجموعة من السيناريوهات الواقعية:

  1. إعادة تقديم التقييمات: تُنجز الشركات تحديثات جوهرية وتُعيد التقديم وفق متطلبات المحكمة، مع إدراج خطط استجابة معززة ومشاركة اجتماعية واسعة.
  2. الاستئناف القانوني: تسلك الشركات مسار الاستئناف بالتوازي مع التحضير الفني، للحفاظ على الخيار القانوني مفتوحاً.
  3. إعادة توزيع الأدوار: انتقال قيادة الامتياز بين الشركاء بما يتلاءم مع الشهية الاستثمارية وتفضيلات المخاطر.
  4. إرجاء أو انسحاب: إذا ارتفعت كلفة الامتثال أو بقيت أسعار الطاقة منخفضة نسبياً، قد يُعاد تقييم الجدوى الإجمالية.

من جانب صانع القرار، يبقى التحدي في صياغة صفقة اجتماعية جديدة للطاقة: حماية البيئة وتعظيم المنافع المحلية، دون إرسال إشارة طاردة لرأس المال طويل الأجل. ويتطلب ذلك تحسين سرعة الإجراءات دون التنازل عن الجودة، وربط الموافقات بخطط واضحة لخلق الوظائف وبناء القدرات المحلية، وإرساء خطوط حمراء لا تتهاون مع المخاطر غير المقبولة.

أسئلة شائعة

ما الذي يميز هذا الحكم عن سوابق مشابهة؟

أبرز ما يميّزه هو التركيز المتزامن على سلاسل الأثر غير المباشر والمناخ، وتكليف الشركات بإعادة النظر في الافتراضات التقنية والبدائل، لا مجرد استكمال وثائق ناقصة.

هل يؤثر الحكم على المشاريع داخل حوض أورانج الأوسع؟

لا بصورة تلقائية، لكنه يرفع سقف التوقعات لما ينبغي أن تتضمنه التقييمات في مشاريع جنوب أفريقيا الساحلية، وقد يُستأنس به تنظيمياً في المنطقة.

كيف يمكن حماية سلاسل القيمة المحلية أثناء الاستكشاف؟

من خلال مناطق عازلة زمنية ومكانية لنشاط الصيد، وبرامج تعويض مؤقتة، واستثمارات مشتركة في البنية التحتية للمرافئ، وتشارك البيانات البيئية في الوقت شبه الحقيقي.

فقرة كلمات مفتاحية (سيو)

جنوب أفريقيا، كيب الغربية، المحكمة العليا، توتال إنرجيز، شل، ترخيص بيئي، تقييم الأثر البيئي، تسربات النفط، تغير المناخ، حوض أورانج، ناميبيا، استكشاف النفط والغاز، المجتمعات المحلية، العدالة الطبيعية، مصائد الأسماك، ميناء كيب تاون، رأس أغولاس، الامتثال البيئي، الطاقة في أفريقيا، التحول الطاقي.

إرسال تعليق