لماذا يرفض الفلسطينيون الاستسلام كما فعلت اليابان؟

قراءة معمقة في مقال عودة بشارات: لماذا يرفض الفلسطينيون الاستسلام كما فعلت اليابان؟ تحليل تاريخي وسياسي وإنساني يراجع التجارب والوعود المكسورة وآفاق ا

لماذا يرفض الفلسطينيون الاستسلام كما فعلت اليابان؟ قراءة معمقة في تجربة الفلسطينيين وآفاق المقاومة

أثار مقال الكاتب الفلسطيني عودة بشارات المنشور على صحيفة هآرتس إشكالية جوهرية: لماذا لا يستسلم الفلسطينيون كما استسلمت اليابان بعد الحرب العالمية الثانية؟ هل المقارنة منطقية أم أنها تُغفل الفوارق التاريخية والسياسية والإنسانية؟ في هذا الملف نعرض قراءة معمقة تربط التاريخ بالواقع، وتراجع تجارب الماضي، وتستخلص دروسًا حول معنى الاستسلام أو المقاومة في سياق احتلال يستند إلى مخططات واضحة للتوسع والسيطرة.

أولًا ـ لماذا تُطرح مقارنة اليابان؟

تعتمد المقارنة عادة على عنصر ظاهر: كلاهما طرف انهزم عسكريًا أمام قوة أكبر. اليابان هُزمت في حرب عالمية شاملة، وقبلت وثيقة استسلام رسمية، ثم انتقلت إلى مرحلة إعادة بناء مدعومة دوليًا. لذلك يسأل بعض المحللين أو الجمهور: لماذا لا يفعل الفلسطينيون الشيء نفسه ويوقعون على «وثيقة استسلام» تنهي العنف؟

لكن هذه المقارنة تتجاهل فروقات أساسية: اليابان دولة ذات سيادة إقليمية واضحة كانت تُدار من مركز موحّد، والحلفاء المنتصرون وضعوا خطة لإعادة الإعمار وسياسات إدماج. أما القضية الفلسطينية فمرتبطة بعملية استعمارية وعمليات مصادرة أرض واعادة تسكين وإسقاط حقوق شعب، ولا توجد جهة منتصرة تُعِد خطة لإعادة بناء تحترم حقوق الفلسطينيين.

ثانيًا ـ تجارب الفلسطينيين مع "الاتفاقات" والوعود

يستحضر بشارات عدة محطات تاريخية: خروج منظمة التحرير من بيروت عام 1982 بعد ضغوط أميركية-إسرائيلية ثم مجزرة صبرا وشاتيلا، واتفاقات متعددة (من أوسلو إلى خريطة الطريق) التي رُبطت بآمال لكنه ثبت أن الالتزامات لم تُنفذ أو أن إسرائيل تحوّلت إلى تغيير الخرائط والممارسات بما يخدم أهدافها الاستيطانية. هذه التجارب كونت فهمًا لدى الفلسطينيين مفاده: التنازل أو الاستسلام ليس ضمانًا للسلام أو للعزة.

صبرا وشاتيلا والدرس المروّع

بعد اتفاقات الاغتراب ونزوح بعض الفصائل، حدثت مجزرة صبرا وشاتيلا التي كشفت هشاشة الضمانات وغياب القدرة على حماية المدنيين حين تتوافر إرادة سياسية للتصفية. هذا الحدث ترك أثرًا نفسيًا وتاريخيًا عميقًا في الذاكرة الفلسطينية والمنطقة.

اتفاقات مُهدورة: أوسلو وخريطة الطريق

الاتفاقيات التي وُقِّعت تحت ضغوط ولأغراض مرحلية غالبًا ما انقضت عليها سياسات مغايرة: استمرار الاستيطان، فرض سياسات أمنية، تجزئة الأراضي، وتحويل الاتفاقات إلى محطة وليست نهاية. لذلك يقول بشارات إن الفلسطيني بات يعتبر أن بعض الاتفاقات تُستخدم لشرعنة احتلال وتحويل الحقوق إلى تنازلات دائمة.

ثالثًا ـ لماذا لا يؤدي الاستسلام إلى "سلام" للفلسطينيين؟

لن يكون الاستسلام بوابة لسلام حقيقي ما لم يكن مؤسَّسًا على شروط عادلة تحترم حق العودة وحق تقرير المصير وإنهاء الاحتلال. إذ أن الاستسلام الذي يكرّس التمييز، يشرعن مصادرة الأرض والهوية: حين تتبدل الحقوق بالشعارات الزائفة، فإن «السلام» يتحول إلى هجرة مقنّعة.

مثال ذلك أن استسلامًا مشروطًا أو استسلامًا دون ضمانات تنفيذية سيعني –من زاوية تاريخية- مزيدًا من التطهير العرقي، سلبًا للملكية، وإفقارًا ثقافيًا وسياسيًا. لذلك لا يساوي الفلسطينيون بين «توقيع على وثيقة» و«حفظ الحقوق»، بل يقاس النجاح بوجود مؤسسات وآليات ضامنة لحقوقهم.

رابعًا ـ المقارنة مع اليابان: فوارق أساسية

  • الطبيعة الدولية لما بعد الحرب: العالم انتقل بعد الحرب العالمية الثانية إلى نظام جديد – مع قوات احتلال تقود إعادة بناء اشتراكية/رأسمالية متوافقة. لم تكن هناك نية لتطهير عرقي في حق اليابان.
  • السيادة والكيانات المؤسسية: اليابان كانت كيانًا وطنيا موحدًا؛ الفلسطينيون مشتتون بين الشتات، داخل الأرض المحتلة والسلطة والشتات والمناطق الخاضعة للاحتلال المباشر.
  • النية السياسية للمنتصر: المنتصرون شكلوا تحالفًا لإعادة بناء اليابان كحليف؛ في الحالة الفلسطينية، القوى المحتلة لديها مشاريع استعمارية واستيطانية تتطلب موارد وايديولوجيا توسعية.

خامسًا ـ ماذا تعني المقاومة في هذا السياق؟

المقاومة لا تقتصر على البُعد العسكري فقط؛ إنما تشمل بُعدًا سياسيًا، ثقافيًا، قانونيًا ومجتمعيًا. بالنسبة للفلسطينيين، المقاومة وسيلة للحفاظ على الهوية ولإجبار العالم على إعادة النظر في معادلات القوة والعدالة. الاستسلام من دون ضمانات جوهرية يعني إسقاط هذه الوسائل وإغلاق الباب أمام أي مجال للعودة.

المقاومة السلمية والمؤسساتية

المقاومة الشاملة تُعنى بتعزيز المؤسسات المحلية، تطوير القانون الدولي، العمل على كسب الرأي العام العالمي، وتوثيق الانتهاكات — كلها عناصر لا تُمحى بتوقيع على وثيقة استسلام.

سادسًا ـ البعد الإنساني: خوف من "اللاعودة"

أحد الأسباب التي تجعل الفلسطينيين يرفضون الاستسلام هو الخوف الوجودي: الاستسلام قد يحمل معه مصادرة حق العودة، انتهاك الكرامة، وهجرة دائمة. بعد تجارب التهجير والحرمان المتكرر، لا يمكن لوم مجتمع يرفض تنازلات قد تبدو كقبر لهوية كاملة.

سابعًا ـ دروس من التاريخ الحديث: ماذا نتعلم؟

  1. التحقق من النوايا قبل توقيع الاتفاقات: يجب أن تتضمن الاتفاقات آليات تنفيذ ومراقبة دولية.
  2. الضمانات الحقيقية لا تُمنح عبر الوعود فقط، بل عبر آليات ملموسة (قوات دولية، آليات تعويض، محاكم مستقلة).
  3. التنصل من الوعود تجربة متكررة؛ لذلك يلجأ الفلسطينيون إلى استراتيجية حماية الذاكرة والحقوق.

ثامنًا ـ ما الذي يطلبه الفلسطينيون اليوم؟

لا يطالب الفلسطينيون بـ«استسلام»؛ بل يطالبون بالاعتراف بحقهم في دولة مستقلة، بإنهاء الاحتلال، بآليات تعويض وعدالة انتقالية، وبحماية دولية لحقوقهم. أي تسوية لا تحقق ذلك ستتعرض لنكسة جديدة.

تاسعًا ـ السيناريوهات المستقبلية

يمكن اختصار السيناريوهات في ثلاثة مسارات:

  • تسوية عادلة قابلة للعيش: تستند إلى الاعتراف، ضمانات تنفيذية، ودعم دولي يسند تطبيق الحقوق.
  • تجميد طويل الأمد: حل وسيط يحول الصراع إلى حالة دون حل جذري، مع استمرار الاحتلال بمظاهر قانونية أخرى.
  • تصعيد متزايد: يؤدي إلى مزيد من التوترات والعنف، مع تكاليف إنسانية وسياسية واقتصادية جسيمة.

عاشرًا ـ خاتمة: الاستسلام ليس دائمًا حلًّا

تبدو قراءة بشارات تذكيرًا هامًا: لا يمكن فرض مقارنات تاريخية سريعة دون فهم الفوارق العميقة في الظروف السياسية والتاريخية. استسلام اليابان كان جزءًا من نظام دولي واستراتيجية إعادة بناء، بينما «استسلام» الفلسطينيين في سياق احتلال يهدف إلى مصادرة الأرض والحقوق لن يؤدي إلى سلام أو كرامة. الحقوق والكرامة والتاريخ لا تُمحى بتوقيع؛ لذلك يظل السؤال الأهم: كيف نبني تسوية عادلة تضمن الحقوق وتؤسس لسلام حقيقي، لا استسلامٍ مذل؟

نقاط سريعة

  • الفرق بين هزيمة عسكرية بدولة ذات سيادة وحالة احتلال طويل الأمد أساس المقارنة.
  • التجارب التاريخية (صبرا وشاتيلا، خريطة الطريق) عززت عدم الثقة بالوعود.
  • المطلوب شروط وضمانات تنفيذية وليس وثيقة استسلام مجردة.

ملحق: ملخص رقمي وتاريخي

المحطة الدلالة التاريخية
خروج منظمة التحرير من بيروت 1982 دليل على هشاشة الضمانات والتعرض للمجازر رغم الترتيبات الدولية
مجزرة صبرا وشاتيلا إثبات أن وعود الحماية قد تكون غير كافية أمام إرادة التصفية
اتفاقات أوسلو وخريطة الطريق نماذج لوعود لم تُترجم إلى حماية حقيقية أو إنهاء الاحتلال

فيديو ذات صلة: نقاشات وتحليلات

Post a Comment