جنوب السودان يرد بحزم: لا خطة لتوطين فلسطينيي غزة

"جنوب السودان ينفي رسميًا تقارير عن مباحثات مع إسرائيل لتوطين فلسطينيي غزة على أراضيه، وسط جدل قانوني وإنساني إقليمي ودولي متصاعد.

جنوب السودان ينفي توطين فلسطينيي غزة: قراءة في خلفيات التقارير وتداعياتها الإقليمية

جنوب السودان ينفي رسميًا تقارير عن مباحثات مع إسرائيل لتوطين فلسطينيي غزة
صورة تعبر عن موقف جنوب السودان الرافض لتوطين فلسطينيي غزة على أراضيه

نفت وزارة الخارجية في جنوب السودان، اليوم الأربعاء، صحة ما تم تداوله حول مباحثات مع إسرائيل لتوطين فلسطينيين قادمين من قطاع غزة على الأراضي الجنوبية. وأكد البيان أن المزاعم «لا تعكس الموقف الرسمي للدولة» وأن موقف جوبا المعلن تجاه القضية الفلسطينية «ينطلق من مبادئ القانون الدولي واحترام سيادة الدول وحقوق الشعوب». جاء هذا النفي وسط تداول إعلامي واسع لأخبار وتقارير أشارت إلى اتصالات أو ترتيبات مزعومة تتصل بـ«استقبال» فلسطينيين من غزة في دولة جنوب السودان.

الخلاصة السريعة:
  • نفي قاطع من خارجية جنوب السودان لأي محادثات رسمية لتوطين فلسطينيين من غزة.
  • التقارير التي أشعلت الجدل استندت إلى تسريبات وزيارات رسمية، دون تأكيد من جوبا.
  • الملف يثير أسئلة قانونية وأخلاقية حول شبهة «التهجير القسري» وحق العودة.

كيف بدأت القصة؟ خلفية التقارير والتسريبات

بدأت موجة الأخبار حين تحدثت وسائل إعلام دولية عن «مباحثات محتملة» بين إسرائيل وجنوب السودان بشأن نقل فلسطينيين من غزة، في سياق أوسع من الطروحات التي تصفها إسرائيل بـ«الهجرة الطوعية». وظهرت بالتوازي مع هذه التسريبات أنباء عن زيارة مسؤولة إسرائيلية رفيعة المستوى إلى جوبا للقاء قيادات جنوب سودانية. ورغم الزخم الذي اكتسبته الأخبار، إلا أن غياب الإعلان الرسمي من حكومة جنوب السودان كان لافتًا، قبل أن تحسم الخارجية موقفها بنفي واضح ومباشر.

أهمية القصة لا تتعلق بجنوب السودان وحده، بل بكونها تعكس مقاربات سياسية تتعامل مع سكان غزة باعتبارهم «قابلين للنقل» خارج موطنهم، وهو ما يفتح أبوابًا واسعة على النقاش القانوني والأخلاقي وحتى الاستراتيجي المتصل بأمن الإقليم وموازين القوى فيه.

زيارة مسؤولة إسرائيلية إلى جوبا: سياق سياسي أم مؤشر عملي؟

تزامن نفي جوبا مع حديث عن وصول نائبة/نائب وزير الخارجية الإسرائيلي (عضو الكنيست شارين هاسكل) إلى جنوب السودان في زيارة رُوّج لها كأول زيارة رسمية بهذا المستوى. الزيارة، بحسب ما جرى تداوله، شملت لقاءات مع الرئيس سلفا كير ميارديت ومسؤولين في الخارجية والبرلمان. ورغم أن الزيارات الدبلوماسية قد تحمل دلالات سياسية مختلفة، فإن مجرد حدوثها لا يُعد دليلًا على وجود اتفاقات بشأن «توطين» أو «نقل» سكان من منطقة نزاع إلى أخرى، لاسيما إذا صدر نفي رسمي من الدولة المضيفة.

على المستوى الدبلوماسي، تميل الدول في مثل هذه الملفات الحساسة إلى إبقاء أي نقاشات — إن وُجدت — في نطاق قنوات مغلقة، وتتحفظ على الإعلان عنها إلى أن تتضح أبعادها أو يتم نفيها لتجنب تداعيات داخلية وخارجية. في حالة جنوب السودان، يبدو أن السلطات أرادت حسم الجدل مبكرًا، خشية انعكاسه على صورتها الدولية وعلى توازناتها الداخلية.

ما بين «الهجرة الطوعية» و«التهجير القسري»: أين يقف القانون الدولي؟

في الأدبيات القانونية، يميّز القانون الدولي الإنساني بين الحركة الطوعية للأفراد وبين النقل القسري للسكان من منطقة نزاع. فإذا ارتبط أي «نقل» بعوامل ضغط أو بطبيعة احتلال عسكري وعناصر إكراه واقتصاص جماعي، فإن الوصف يقترب من «التهجير القسري» المحظور بموجب اتفاقيات جنيف، وقد يندرج ضمن جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية إذا توافرت شروط النطاق والمنهجية.

كما أن نقل المدنيين إلى بلد يعاني من هشاشة أمنية أو أزمات إنسانية — مثل جنوب السودان الذي ما يزال في طور التعافي من صراع داخلي وتحديات اقتصادية — يثير أسئلة إضافية حول السلامة والحماية والاستدامة، ويجعل أي «حل» قائم على نقل السكان عرضةً لانتقاد حقوقي واسع، لكونه لا يعالج جذور الأزمة ولا يضمن حقوقًا أساسية كحق العودة والتعويض وإعادة الإعمار.

الزاوية الجنوبية-الجنوبية: كيف تنظر جوبا؟

لجنوب السودان حساباته الدقيقة في هذه القضية. فهو بلد ناشئ ما بعد الاستقلال، يسعى إلى تثبيت الاستقرار وجذب الاستثمارات وبناء شبكة علاقات خارجية متوازنة. أي انخراط في ترتيبات حساسة كهذه قد يضعه في قلب جدل دولي لا طائل من ورائه، وربما ينعكس على علاقاته العربية والإفريقية وعلى صورته في المؤسسات الدولية. من هنا يمكن فهم حرص الخارجية على نفي «المحادثات» من أساسها، لتجنيب الدولة أعباء سياسية وقانونية وأمنية لا تتحملها بنيتها الراهنة.

ردود الفعل الإقليمية والدولية: مخاوف من تكريس واقع دائم

تاريخيًا، تثير أي دعوات لنقل سكان غزة إلى خارج القطاع مخاوف الفلسطينيين من أن يتحول الأمر إلى «ترتيب دائم» ينتقص من حق العودة ويُفرغ القضية من جوهرها. وقد عبّرت أطراف عربية وإقليمية في مناسبات سابقة عن رفضها لأي خطة تنتهي إلى إخراج الأهالي من أرضهم، لما لذلك من تبعات سياسية وأمنية على جوار غزة وفي مقدمتها مصر، فضلًا عن الأثر الإنساني المباشر على ملايين المدنيين.

على الصعيد الدولي، يراقب المجتمع الحقوقي والإنساني أي مؤشرات على ترتيبات تنقل السكان قسرًا من منطقة نزاع، ويشدد على أن الحلول المستدامة تمر عبر وقف إطلاق النار، وحماية المدنيين، وضمان وصول المساعدات، وتهيئة بيئة تمكّن السكان من البقاء في وطنهم بأمان وكرامة.

أرقام وسياق إنساني

لا يمكن فصل الجدل الحالي عن السياق الأوسع للحرب الممتدة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 والتي خلّفت عشرات الآلاف من الضحايا في غزة، ودفعت بموجات نزوح وحرمان غذائي حاد. هذه الخلفية الإنسانية تزيد حساسية أي طرح يتصل بإخراج السكان من أرضهم، لأنها تقترن بواقع مأساوي مفتوح لم تُحسم فيه أسئلة الحماية والعدالة والمساءلة.

البند المعنى والدلالة
طروحات «النقل/التوطين» تثير شبهات قانونية وأخلاقية إذا اقترنت بالإكراه أو غياب بدائل آمنة داخل الوطن.
هشاشة الدول المستقبِلة تحديات أمنية واقتصادية قد تجعل «الحل» جزءًا من أزمة جديدة بدلًا من إنهاء الأزمة الأصلية.
حق العودة أساس قانوني وسياسي للقضية الفلسطينية، وأي نقل خارج الوطن قد يقوّضه عمليًا.
المسار الأمثل وقف إطلاق النار، حماية المدنيين، الإغاثة المستدامة، ومسار سياسي يعالج جذور الصراع.

سيناريوهات محتملة: ما الذي سيحدث لاحقًا؟

1) طيّ الملف تمامًا

وهو السيناريو المرجّح إذا تمسكت جوبا بنفيها وتجنبت الخوض في ترتيبات قد تضر بصورتها وشراكاتها الإقليمية. في هذه الحالة، قد تعود أي أطرافٍ طرحت الفكرة إلى مسارات أخرى لإدارة الصراع بعيدًا عن «نقل السكان».

2) استمرار الجدل الإعلامي دون ترجمة عملية

قد يستمر التداول الإعلامي للتسريبات، خاصة إذا تكررت زيارات واتصالات دبلوماسية، لكن من دون نتائج ملموسة على الأرض، نظرًا للتكلفة السياسية والقانونية والإنسانية العالية.

3) حلول إنسانية داخلية بديلة

بدلاً من طروحات «النقل»، قد تتجه الجهود إلى تعزيز الإغاثة، وضمان ممرات آمنة، وتوسيع نطاق الدعم الإنساني داخل غزة، بما يحفظ حق الناس في البقاء داخل وطنهم.

لماذا يهم هذا النفي؟

لأن أي قبول «مبدئي» من دولة ما — حتى لو كان على مستوى تسريبات — قد يُستغل لخلق أمر واقع لاحقًا. نفي جنوب السودان الصريح يسدّ باب التأويل، ويبعث برسالة مفادها أن مقاربة الحلول الدائمة للأزمات لا تمر عبر نقل السكان، بل عبر معالجة أسباب الصراع وضمان حقوق الإنسان والقانون الدولي.

خلاصة الموقف:

تؤكد جوبا أنها ليست طرفًا في مخطط لنقل فلسطينيي غزة إلى أراضيها. وفي ظل حساسية الملف ووقعه الإقليمي، يبدو هذا النفي خطوة لدرء أي التباس وحماية مصالح الدولة وحدود قدرتها على تحمّل تبعات ترتيبات لا تمتلك مقومات إنجاحها.

أسئلة شائعة

هل يوجد ما يؤكد وجود «خطة» مكتملة المعالم؟

لا. ما تم تداوله إعلاميًا لا يرقى إلى إعلان رسمي من جوبا، بل إن الخارجية نفت أصل المحادثات. كما أن غياب وثائق معتمدة أو بيانات مشتركة يشير إلى أن الحديث، إن وُجد أصلًا، لم يتجاوز مستوى التسريبات والتكهنات.

هل تعني زيارات المسؤولين وجود اتفاقات مسبقة؟

ليس بالضرورة. الزيارات الدبلوماسية تجري لملفات متعددة، وقد تأتي في إطار تعزيز العلاقات أو بحث قضايا ثنائية. الربط الآلي بين الزيارة وملف «نقل السكان» غير دقيق، خصوصًا مع صدور نفي رسمي من الدولة المضيفة.

ما البدائل الواقعية لمعاناة المدنيين في غزة؟

البدائل تتمثل في المسار الإنساني والقانوني: وقف إطلاق النار، ضمان المساعدات، حماية المدنيين، وتهيئة ظروف العيش الكريم داخل الوطن، وصولًا إلى مسار سياسي جاد يعالج جذور الصراع ولا يكتفي بترتيبات مؤقتة.

إيضاح بصري لأسئلة شائعة حول الملف
أسئلة وأجوبة لفهم أبعاد الملف بعيدًا عن التضليل.

Post a Comment