لماذا تراجع نتنياهو عن خطة احتلال غزة؟ قراءة في الأسباب والتداعيات
في خطوة أثارت الكثير من التساؤلات، تراجع رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عن مشروعه الطموح لاحتلال كامل قطاع غزة. هذه الخطة، التي كانت تهدف إلى السيطرة الكاملة على قطاع غزة، واجهت رفضاً حاسماً من قائد الجيش الإسرائيلي، إيال زامير، ما أجبر نتنياهو على التراجع والتخلي عن تنفيذها.
لم يُعلن بشكل رسمي الأسباب الدقيقة التي دفعته إلى هذا التراجع، إلا أن المؤشرات تشير بقوة إلى مخاوف الجيش من عدم قدرته على تنفيذ عملية عسكرية بهذا الحجم بنجاح، إضافة إلى تقديرات حول حجم الخسائر المحتملة التي قد يتكبدها في معركة كبيرة ومفتوحة في منطقة حضرية مكتظة.
هذا التردد يعكس واقعاً جديداً يعاني منه الجيش الإسرائيلي، الذي بدا أكثر ضعفاً من المتوقع، خاصة بعد مرور أكثر من 21 شهراً على حرب برية عنيفة في قطاع غزة، شهدت خلالها المنطقة حرب إبادة شبه شاملة، دمار واسع، وحصار قاسٍ أدى إلى معاناة إنسانية كبيرة، لا سيما بين الأطفال والنساء.
هناك تقارير مسربة تشير إلى ضعف حماس قوات الاحتياط للالتحاق بالمعارك في غزة، إلى جانب خسائر كبيرة في المعدات العسكرية، وانتشار متزايد للأمراض النفسية بين الجنود المشاركين في القتال المباشر.
هذه العوامل دفعت قائد الجيش إلى التريث والتمهل، وعدم التأكد من إمكانية خوض حرب واسعة النطاق في غزة، حتى لو اقتصرت على مدينة غزة فقط.
وعلى صعيد التحليلات العسكرية، أكد عدد من كبار الضباط السابقين في الجيش الإسرائيلي وجهاز المخابرات (الشاباك) والموساد، على عدم جدوى الحملة العسكرية التي بدأها نتنياهو منذ أكتوبر 2023، معتبرين أنها لم تحقق أهدافها، بل ألحقت أضراراً استراتيجية بالاحتلال.
كما أشاروا إلى أن السياسات التي تبناها نتنياهو أدت إلى تدهور مكانة الاحتلال على الصعيد الدولي، وتراجع صورته أمام الرأي العام العالمي، وهو ما أثر سلباً على قدرة إسرائيل على إدارة الصراع داخلياً وخارجياً.
معظم الخبراء العسكريين والسياسيين عبروا عن قلقهم البالغ إزاء إمكانية زج الجيش في حرب شاملة ضد قطاع غزة، أو حتى في احتلال محدود لمدينة غزة، معتبرين أن ذلك قد يوقع الاحتلال في أزمات عسكرية حقيقية.
وبالتالي، فإن الأسباب التي ساقها قائد الجيش لمنع تنفيذ خطة الاحتلال الكامل لقطاع غزة تعكس المخاطر الأمنية والعسكرية التي تواجهها إسرائيل، وخصوصاً حجم المعاناة والخسائر التي قد تنتج عن أي تصعيد عسكري.
هناك أيضاً احتمالية كبيرة بأن تؤدي الاشتباكات المسلحة في بيئة حضرية مثل غزة إلى تفكك وحدات الجيش، مما قد يسبب حالات فرار قد تنتشر بين الجنود، وهو ما يمثل كارثة عسكرية حقيقية لأي جيش.
حتى التراجع إلى احتلال مدينة غزة فقط لا يقل خطورة عن خطة الاحتلال الكامل، وربما يعكس موقفاً متردداً داخل القيادة العسكرية، حيث لا تختلف كثيراً عن المخاوف التي أعرب عنها زامير في خطة الاحتلال الأوسع.
من جهة أخرى، يعتقد البعض أن نتنياهو ربما استخدم إعلان خطة الاحتلال كأداة ضغط على حركة حماس، في محاولة لتوجيه رسالة تخويف دون نية فعلية للتنفيذ الكامل، مع إصراره على احتلال جزء من غزة.
لكن تقييم الموقف يظهر أن نتنياهو ارتكب خلال فترة الحرب سلسلة أخطاء استراتيجية كلفت الجيش الإسرائيلي خسائر ميدانية وسياسية، حيث لم يستطع تحقيق انتصار حاسم على المقاومة، بينما ساءت صورة الاحتلال أمام المجتمع الدولي.
وأحد أهم دوافع استمراره في هذه السياسة، هو رغبته في الحفاظ على موقعه السياسي والائتلاف الحكومي مع المتطرفين مثل بن غفير وسموتريتش، إضافة إلى خوفه من المساءلة القانونية التي قد تلاحقه في حال توقفت الحرب.
لكن مع تصاعد الضغوط الدولية، بما في ذلك بيانات أوروبية تدعو لوقف دعم الاحتلال، وتهديدات بفرض عقوبات، بات من الصعب على نتنياهو الاستمرار في سياسته الحالية دون تعديلات جوهرية.
في الوقت نفسه، تستمر المقاومة الفلسطينية في تحقيق مكاسب عسكرية ميدانية، مع تمسكها بمطالبها لإبرام اتفاق سلام عادل، ما يجعل من احتلال غزة جداراً صلباً لا يمكن تجاوزه بسهولة.
في النهاية، يبدو أن نتنياهو يعيد نفس السيناريو المتكرر، حيث يطرح خططاً عسكرية متجددة بعد كل فشل، لكنه يغفل أهمية فهم ميزان القوى الحقيقية، مما يجعل خططه عرضة للفشل المستمر.
الاستنتاج الأبرز هو أن خطة احتلال غزة بالكامل قد تكون مؤجلة أو مرفوضة بسبب الوعي العسكري بمدى خطورة وديناميكية الصراع، وما قد يحمله من تداعيات استراتيجية قاتلة للاحتلال الإسرائيلي.