زلزال مالي: صندوق الثروة النرويجي يقطع علاقاته مع شركات إسرائيلية

"تحليل لقرار صندوق الثروة السيادي النرويجي قطع استثماراته في شركات متورطة بدعم إسرائيل أو أنشطتها في الأراضي المحتلة، مع قراءة في الدلالات الاقتصادية

صندوق الثروة النرويجي يقطع علاقاته مع شركات تستثمر في إسرائيل — دلالات وأبعاد

قرار يرنّ في الأسواق

أثار إعلان صندوق الثروة السيادي النرويجي عن إنهاء العقود مع شركات إدارة الأصول المتعاملة مع استثماراته الإسرائيلية موجةً من الاهتمام والتحليل. فالصندوق، الذي تبلغ أصوله نحو 1.9 تريليون دولار، لا يملك فقط قدرة مالية هائلة، بل يمتلك أيضاً سمعة طويلة في اعتماد معايير استثمارية أخلاقية تُراعي حقوق الإنسان والقانون الدولي. قرار كهذا لا يظل مقصورًا على الحسابات الداخلية، بل يُحوّل إشاراته إلى أسواق المال حول العالم.

لماذا القرار مهم؟

تكمن أهمية القرار في أربعة محاور رئيسية:

  • حجم الصندوق: حيازته لنحو 1.5% من الأسهم المدرجة عالمياً تمنحه قدرة على التأثير في أسعار الأسهم والسيولة.
  • إشارة أخلاقية: كيان يستثمر بحسب مبادئ، وقرار الانسحاب يضع معيارًا أمام صناديق ومؤسسات استثمارية أخرى.
  • دعم حملات الضغط: يشجّع المستثمرين والمؤسسات على إعادة تقييم علاقتهم مع شركات مرتبطة بالاحتلال.
  • مخاطر على الشركات الإسرائيلية: تقلّل السيولة والاهتمام الدولي وتؤثر على قدرة الشركات على جذب تمويل أجنبي.

سجل النرويج: مخاطبات متكررة

ما قام به الصندوق ليس مفاجئًا تمامًا إذا ما نظرنا إلى سجل تحركاته خلال الأعوام الماضية: انسحاب من شركات مثل "باز" و"بيزك" في 2024، وسحب مئات ملايين الدولارات من سندات إسرائيلية في 2024، وإجراءات تتعلق بشركات متورطة في نشاطات داخل المستوطنات منذ 2021. هذه الحزمة من التحركات تُظهر استراتيجية متدرجة تعتمد على مراجعات مجلس الأخلاقيات وتوصياته.

من هو مجلس الأخلاقيات وما دوره؟

مجلس الأخلاقيات هو هيئة مستقلة تفحص استثمارات الصندوق للتأكد من توافقها مع مبادئ أخلاقية محددة، مثل احترام حقوق الإنسان ومنع تمويل الانتهاكات. في يونيو الماضي، فتح المجلس تحقيقًا حول مشاركة بنوك إسرائيلية في تمويل بناء منازل للمستوطنين في الضفة الغربية — مراجعة قد تترجم إلى سحب استثمارات بقيمة تصل إلى نحو نصف مليار دولار.

تصريحات علنية وتعليقات

أعطى صانعو القرار والمراقبون تصريحات لافتة: نيكولاي تانغن (رئيس إدارة الاستثمار ببنك النرويج) وصف الإجراءات بأنها استجابة لظروف استثنائية وأشار إلى البعد الإنساني للأزمة في غزة. من جانبه، شدد وزير المالية النرويجي على أنه يتوقع التزام الصندوق بمبادئه وعدم الاستثمار في جهات تمول الاحتلال. أما منظمات مجتمع مدني فاعتبرت الخطوة مكسبًا لحملات المقاطعة ودعمتها مواقف تدعو لقطع العلاقات الاقتصادية مع نشاطات مرتبطة بضم الأراضي أو الانتهاكات.

«القرار يعكس أن المساءلة الأخلاقية للمستثمرين لم تعد رفاهية — بل أداة ضغط اقتصادية وسياسية فعّالة.»

البعد الاقتصادي والسياسي الأوسع

اقتصادياً، إن عزوف صندوق بهذا الحجم عن شريحة من الشركات يقلل من جاذبيتها لصناديق أخرى، ويزيد تكلفة رأس المال لديها. سياسياً، القرار يضيف ضغطًا على الحكومات والشركات الإسرائيلية من جهة، ويعطي زخماً للمطالب الدولية بمساءلة أطراف تساهم في استمرار حالة الصراع من جهة أخرى.

في خضمّ أزمة إنسانية

جاء القرار بينما تتواصل الأزمة الإنسانية في غزة بتبعات كارثية؛ تقارير رسمية تتحدث عن حصيلة ضحايا كبيرة وآثار المجاعة والاحتياجات الأساسية. الربط بين الموقف الإنساني والقرار الاستثماري كان واضحًا في لغة مسؤولي الصندوق، ما يجعل القرار ذا طابع أخلاقي أكثر منه مجرد مناورة مالية.

ماذا يمكن أن يحدث لاحقًا؟

عدة سيناريوهات ممكنة: تكرار خطوات مشابهة من صناديق استثمارية كبرى، ضغوط على الشركات الإسرائيلية لإعادة النظر في ممارساتها داخل المستوطنات، أو مواجهة شركات محلية لتحديات تمويلية قصيرة الأمد. أما على المستوى السياسي فقد يدفع القرار لتصاعد النقاشات داخل برلمانات وحكومات أخرى حول علاقة المال بالسياسة الخارجية وحقوق الإنسان.

خلاصة: انسحاب النرويج من عقود إدارة الأصول والتخارج من حصص بإسرائيل ليس قرارًا عابرًا؛ إنه مؤشر أن الاستثمارات الأخلاقية أصبحت قوة فعلية في الساحة الاقتصادية والسياسية الدولية.

مصادر وتحفظات

هذا التحليل يستند إلى التصريحات الرسمية الصادرة عن إدارة الصندوق ومجلس الأخلاقيات، إلى جانب مراجعات تاريخية لخطوات انسحاب سابقة. ينبغي ملاحظة أن تطورات لاحقة أو بيانات مفصلة من بنك النرويج قد تضيف تفاصيل مالية دقيقة (مثل قيمة المبيعات بالعملة المحلية أو أسماء الشركات المتأثرة).

Post a Comment